رغبه  تفــرح إلى شافت عيونك نخلها

رغبة تفــرح إلى شافت عيونك نخلها

ما بين “عقدة الجريسي” و”برج المرقب” البلدة بتاريخها الشامخ وتراثها تنتظر هيئة السياحة





“رغبة” وبعيداً عن حركات التشكيل التي وضعها وحددها عدد من المؤرخين والمعنيين بهذا المجال وعلى رأسهم المؤرخ عبد الله بن خميس، والعلامة حمد الجاسر، رحمهما الله رحمةً، فالبلدة الجميلة التي يرغب أهلها بمناداتها بهذه الصفة “بلدة” هي محل “رغبة” الكثيرين إما للسكن والإقامة فيها أو تكرار الزيارة إليها، لما لها من ميزة ومميزات تتعلق بأهلها الطيبين كريمي النفس، ولما لها من خصائص في الطبيعة والجغرافيا حيث تقع في مكان مميز بالقرب من عاصمة المملكة العربية السعودية “الرياض”، فيما تحتضن الأودية الجميلة والمزارع والأبنية التراثية وغير ذلك من ميزات ترتبط بتاريخ وعراقة هذه البلدة ذات الغنى السكاني والزراعي.
بلدة “رغبة” محل اهتمام الجميع لموقعها المتميز ولأنها تمتلك كما أسلفت تاريخاً ليس قصيراً وهي تمثل إرث تراثي وزراعي هام في المملكة العربية السعودية، وبالتالي أصبح من الواجبات تطويرها والعناية بها لتصبح مزاراً سياحياً مهماً حين تكثر بها النزل الريفية، وقد تكون مكاناً مميزاً للسياحة الشتوية إذ أنها تأتي في موقع مميز ومن خلالها بالإمكان الانطلاق إلى الأماكن الأخرى المجاورة وزيارة الكثير من المواقع.
ومن واقع معاينة وزيارة لهذه البلدة بات ضرورياً أن تجد اهتماماً أكبر من رجال الأعمال المنتمين لها وبالتنسيق مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لتصبح مركزاً سياحياً مرتبط بالسياحة الشتوية على وجه الخصوص، وذلك من خلال إقامة النزل الريفية في المزارع المنتشرة وبمساحات كبيرة في البلدة إلى جانب تأهيل وتطوير بعض الأحياء والأبنية التاريخية والمحافظة على بعض المواقع ذات القيمة التراثية المهمة.
ترجع تسمية “رغبة” إلى سعة أراضيها وترامي أطرافها، ونظراً لمكانة البلدة التاريخية فقد ورد ذكرها في معجم البلدان لياقوت الحموي.
وتعد رغبة إحدى بلدان المحمل وتبعد عن ثادق 18كم جنوباً ويصلها بالرياض الطريق القادم من القصب فحريملاء فالرياض التي تبعد عنها 120كم . وتتوسط رغبة أرضاً مكشوفة يتقاطع عندها خط البادية الذي يربط بين طريق سدير وطريق الحجاز القديم مع طريق القصب القادم من القصب باتجاه حريملاء . وتتبع رغبة إدارياً محافظة ثادق قاعدة المحمل التابعة لإمارة منطقة الرياض.
يحيط ببلدة رغبة الكثير من المدن والقرى التي تشكل حدودها الجغرافية، فمن الشمال ثادق، ومن الجنوب العويند والبرة، ومن الشرق حريملاء، ومن الغرب ثرمداء والقصب. أما الحدود الطبيعية لبلدة رغبة فتتمثل في جبل الغرابة في الشمال وجبل عريض في الجنوب وسلسلة جبال طويق في الشرق ونفود رغبة في الغرب والشمال.
قال عبدالرحمن بن محمد بن علي آل سحيم ( ولد في رغبة عام 1357) يصف الطبيعة المحيطة برغبة:
لي ديـرة حالت عليها الجبال
عـــساه يسقيها حقـوق المخاييل
عنها جبال طويق شــرق عـدال
وعنـها النفود غروب شمس مقابيل
عنها عريــض من جنوب قبال
وعنها الغرابة يوم أوصف مشاميل
ويضيف عبدالله بن يحيى الحميدي “توفي بالرياض عام 1416 هـ” واصفاً البلدة وأهلها:
لي ديـرة لو غبت مالي بـدلها
بيــن النـفـود وبيـن هاك القـنــوف
تفــرح إلى شافت عيونك نخلها
وهاك الجبـل عنها شـمال معـروف
إلـى اختلط نبت الفيـاض ونفـلها
وسال الحصان وهد هاك الجروف
هي عندي أحسن من مساكن فللها
وذيك البيوت اللي وسـطها رفوف
لو أعلـى من شاف رغبة وأهلـها
فيها رجـال يكـرمون الضيـوف
سيـارتك ساعة تـوقف عجلها
متعوديـن يذبحون الخـروف
وكذلك قال عبدالرحمن بن محمد بن علي آل سحيم من قصيدة له يمدح أهل بلدته:
لي دِيـرَةٍ تَقَعْ وَرَا خَشْمِ الـحِصَانْ
دُونِ النُّفُودِ وْعَــارِفِينِ حْــدُودَهَـا
دِيرَةْ هَلِ التَّوْحِيدِ مِرْوِينِ الـسِّنَانْ
يُومِ الذَّخَايِرْ مِثْلِ قَصْفِ رْعُودَهَا
شِجْعَانِ مَا فِيهِمْ شُرُودِ وْلاَ جَبَـانْ
يُومِ الْمِـلاَقِ مِثْلِ فِـعْلِ أْسُــــودَهَا
أَهْـلِ الْكَرَمْ ذَبَّاحَةِ الْحِيلِ الـسِّمَانْ
وَاهْلِ الشَّجَاعَهْ عِنْدِ قَدْحِ زْنُوُدَهَا
ذَبَّاحَةْ مِرْبَدْ يُومِ جَا ذَاكَ الـزَّمَانْ
إِسْقُوا عَـدُوِّ الدِّيـنِ مُرِّ نْكُـــودَهَا
خَلُّوهِ رَبْعـِيْ طَايِحٍ مَيِّـتْ مُــهَانْ
خَلِّي عَشَا لِلذِّيبِ مِنْ بَــــارُودَهَا
أَفْعَالُهُمْ مَا هِيْ بِـــهَرْجٍ بِاللِّـسَانْ
يِشْهَدْ بِهَا الشَّايِبْ عَلَى مَوْلَودَهَـا
وأيضاً قال عبدالله بن سعد آل عجلان الملقب بالبرازي وهو من شعراء رغبة البارزين توفي في الستينات من القرن الماضي:
يَا اهْــلِ الدِّيـرَةَ اللِّـي جَـابَهَا خَلَّهْ
مِـنْ مَــقَـــادِيــمَهَـا وَالاَّ فِعْــيَــالْ
فِي حِمَانَا مَشَى الْمَظْهُورِ بِالْحِلَّهْ
وِالْمَزَارِعْ سَهَجْهَا طَارِفِ الْمَالْ
هِيهِ يَـــــــــاللِّي تِكِدِّ الْقَذْلَةِ الْـهِلَّهْ
لاَ تِعْشَــقِينَ كِـــــلِّ مَزْرُوبٍ تَالْ
حِنَّــا جَمَــعَهْ وَلَوْ جَــا بِينَّا شَكْلَهْ
دُونِ عِــــزِّ الْبِلاَدِ عِيَالِ رَجَّــالْ
“عقدة الجريسي”




قلعة حصينة تقع في منطقة الجو حيث بنيت في منطقة فضاء بعيدة عن التجمع العمراني للبلدةحينذاك مما يدل دلالة واضحة على منعتها وقوة تحصينها, وتنسيب لبانيها علي الجريسي أمير رغبة, وهي رباعية الشكل يحيط بها سور منيع يبلغ طوله من الشمال 488,82م, ومن الجنوب 67,91م, ومن الشرق 62,24م, ومن الغرب67,91م, وإجمالي مساحتها 5115,95 متراً مربع, وللسور قاعدة عرضها ثلاثة أمتار و يضيق عرض السور تدريجياً و هو مؤلف من ثلاثة جدران متوازية, غير متلاصقة تم حشو الفراغ الذي بينها بالرمل, وهي مبينة من عروق الطين التي تُستخدم في بناء الأسوار إذ كانوا يتبعون أسلوباً خاصاً في البناء بعروق الطين كما سبق شرحه مما يزيد في منعة السور ويجعله متيناً صعب الاختراق.
ولسور العقدة أربعة أبراج, ففي كل ركن من أركانها برج مقوس الشكل يبلغ طوله ما يقرب 16,5 م, وفي كل برج عدد من الفتحات التي يتم من خلالها مراقبة العدو ورصد تحركاته.
وللعقدة باب في الجهة الغربية من السور, عرضه 3,85 م, وقد بني داخل العقدة عدد من المباني, يتوسطها بئر مضلعة رباعية مطوية بالحجارة تمد من في العقدة بالماء الذي يمكنهم من الصمود وبخاصة عند حصار العدو لهم.
وزيادة في التحصين بنى علي الجريسي في منطقة الجو المحيطة بالعقدة عدداً من الأبراج الأخرى وربط بينها بأسوار مشكلاً بذلك خطوط دفاع أمامية للعقدة والمزارع المحيطة بها.
وقد تعرضت العقدة للهدم على يد الأتراك, وبإمعان في النضر في ماتبقى من أطلال أسوارها وأبراجها ندرك أنها بنيت لتلعب دوراً بارزاً سجّله لها التاريخ.
وقال عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن الجريسي المولود في رغبة عام 1337هـ يصف عقدة الجريسي وسكانها:
مِن السِّيلِ لِرْهَاطِ لِلثِّوِيرَاتْ
مَحَلِّ جَدِّي وِجِدَّانِي
بِالـرِّجْـلِ والاَّ عَلَى بَـكْـرَاتْ
اَلْحَزْمِ بِيْدَاهُ كِيشَانِي
اَلذُّودِ وَمْعِيزٍ وَشُوَيْهَاتْ
تِسْرَحْ وِتِهْدِفَ بِشِيَّانِي
نِرْعَى بِهَا كُلِّ وَسْمِيَّاتْ
نِرْعَى رَبِيعٍ وَرِيْضَانِي
كُلِّ الجَرَاسَى هَلِ الطُّولاَتْ
أَهْلِ الْمُرُوَّاتِ لِلْعَانِي
أَهْلِ الْحَمِيَّاتِ وِالْفَزْعَاتْ
أَفْعَالُهُمْ شَاهِدِ لْسَانِي
عِزْوَةْ هَلِ الدَّارِ بِالصَّدْمَاتْ
عِزْوَةْ هَلِ الزُّلْفِ تِبْيَانِي
تَرَى الْجَرَاسَى لَهُمْ عِزْوَاتْ
نَسْلِ الْجَرَاسَى بِحِيطَانِيِ
اِِلْفَخْرِ لِلدَّارِ بِالْعِزْوَاتْ
وَهْيَ الْعِلِمْ عِنْدَ سِلْفَانِي
عِزْوَاتِ زُلْفِيِّنَا بِثْبَاتْ
بِاسْمِ الْجَرَاسَى بِمَا كَانِي
جِدِّي تِشُوفُهْ بِطَلْحِيَّاتْ
إِقْرَا التُّوَارِيخِ تِلْقَانِي
بِالْخَصِّ تَارِيخِ نَجْدِيَّاتْ
حِيثِ التُّوَارِيخِ بُرْهَانِي
تَارِيخِ غَنَّامِ بِالْوَقْعَاتْ
وِابِنْ بِشِرْ ذَاكِ تِلْقَانِي
جِدِّي نَزَلْ وَسْطِ زُلْفِيَّاتْ
ذَبَّاحَةِ النَّابِ وَالضَّانِي
مِنْ بَعْدِهَا صَارَ فِي رَغْبَاتْ
اَلْكُلِّ طَيِّبٍ لِجِيرَانِي
فيِهَا أَخَذْ مُدَّةْ سِنَاوَاتْ
عُقْدَهْ بَنَاهَا بِتِفْنَانِي
دَلاَ يِبَنِّيبَهَا اصْلاَحَاتْ
اَللهِ يِرْحَمَكَ يَا الْبَانِي
مِنْ بَعْدِهَا صَارَ جَمْعِيَّاتْ
فِي عُقْدَتَهْ صَارَ سِلْطَانِي
رَبْعَهْ يَمِينَهْ مَعَ الضِّيقَاتْ
وُهْمُ السَّنَدْ عِنْدَ مِيدَانِي
أَرَّثْ عَلِي خَالِدِ الْوَثْبَاتْ
وَثَّابِ لِلْحَرْبِ بِلْهَانِي
اَلتُّرْكِ جُوهُمْ عَلَى غَارَاتْ
مَدَافِعٍ تِرْعِبِ الدَّانِي
يِسْطَى عَلَى الْحَرْبِ بِالْقَالاَتْ
كَنَّهْ عَلَى الضِّدِّ وَلْهَانِي
اَلتُّرْكِ هَابُوهِ بِالسَّطْوَاتْ
زَادُوا الْمَدَافِعْ بِفِرْسَانِي
مَا قَصَّرُوا لَكِنِ الطَّاقَاتْ
مَا فِيهِ صَدٍّ لِعِدْوَانِ
مِنْ يِنْطَحِ التُّرْكِ بِالْقُوَّاتْ
فِي وَقْتِنَا ذَاكَ الثَّانِي
خِيلٍ وِجَيْشٍ عُمَانِيَّاتْ
وِالصُّمْعِِ وِالْهُطْفِ وِالزَّانِي
تُوحِي لَهَا حِسِّ بِالأَْصْوَاتْ
مَا بِينِ شَايِبْ وِشِبَّانِي
اَللهُ أَكْبَرْ عَلَى مَا فَاتْ
كَنِّ الْجَنَازَاتِ خِشْبَانِي
يَا اللهُ يَا رَاحِمِ الأَْمْوَاتْ
تِرْحَمْ قَتِيلٍ بِالاَوْطَانِي
أَهْلِ الْبِصِيرَهْ هَلِ الطُّولاَتْ
لِلضِّيفِ وَالْجَارِ وَالْعَانِي
هَذَا الذِّكِرْ مِنْ رِجَالِ ثْقَاتْ
وَاللهْ عَلِيمٍ بِمَا كَانِي

“برج المرقب”


ويقول الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي، في كتابه رغبة أنه عند تأملك لبرج المرقب برغبة، الذي يعد من الآثار المشهورة بنجد, يتبين لك أن البرج لم يكن مجرد معلم أثري فقط بل كانت طريقة بنائه والأسلوب المعماري المتبع في إنشائه ينم عن ذوق معماري رفيع في ذلك الحين، إذ يعد صرحاً معمارياً يدل على نظرة ثاقبة برعت في تصور هذا الهيكل ليؤدي أكثر من وظيفة, وأن هذا البناء صنعته أيدٍ ماهرة ذات خبرة عالية في تنفيذ ما تصورته في ذلك الزمن، ومما يثير دهشتك وإعجابك طريقة إنشائه، حيث بني بطريقة هندسية متكاملة متناسقة، تؤدي الغرض الذي أنشئ من أجله في زمن لم تكن النظريات الهندسية شائعة مثل ما هي عليه الآن من الحسابات المدروسة واتباع المدارس الإنشائية, فالهندسة المعمارية فن، وهذا الصرح دليل حي قوي على أن الهندسة حقاً فنٌ وذوق إذ ينم عن ذكاء لامع أدى إلى إبداعه، ففي وقتنا الحاضر لا يتم إنشاء أي مبنى إلا حسب نظريات هندسية وقوانين وحسابات دقيقة لكل جزء من أجزاء المبنى، ومثل هذا البناء المرتفع والشاهق في زمنه، إذا مانظرنا إليه نظرة فنية أو هندسية فإنه يتملكنا العجب, إذ كيف تم تصور ضغط الرياح على بناء بهذا الارتفاع؟
وكيف تم حساب تحمل التربة التي ستحمل هذا الوزن على مساحة القاعدة مثلاً؟ ومما يثير إعجابك أكثر عندما ترى قياساته على الطبيعة فتلاحظ أنها استوفت كامل الشروط الهندسية بشكل صحيح، مكنت البناء من المحافظة على كيانه وهيكله المعماري، ومع أنه تم ترميمه أكثر من مرة إلا أن هيكله هو الأساس ودقة قياساته هي التي ساهمت في بقائه شامخاً حوالي القرن والنصف، متحدياً العوامل البيئية والجغرافية ليكون شاهداً على فترة حضارية ضمتها هذه المنطقة المتميزة في قلب الجزيرة العربية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن البرج يقع في الجهة الجنوبية الغربية من البلدة, وأن أهل البلدة أنشؤوه بمساعدة رجل متخصص في البناء من أهل ثادق يسمى إبراهيم بن سلامة وأنه استخدم في بنائه الحجر والطين، وقد تمت عمليتا ترميم للبرج. الأولى سنة 1394هـ على نفقة خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز، أما الثانية فكانت في 25/5/1417هـ على نفقة رجل الأعمال عبدالرحمن بن علي الجريسي.
“إمارة الجريسي”
كان أمير رغبة الشيخ علي الجريسي ينتمي لأسرة آل الجريسي بالزلفي ”وهم من الأسر العريقة ذات الآثار والأخبار” فقدم من الزلفي واستوطن رغبة, فكان فيها معلماً وأميراً عُرف بالشـجاعة والإقدام وكان موالياً للإمام محمد بن سعود، ويعد من رجاله المخلصين.
وقد لعب أهل رغبة وأميرهم دوراً بارزاً ومشرفاً بعد ذلك، حين بنى الأمير علي الجريسي، قلعته المشهورة باسم العُقدة قبيل عام 1171هـ التي اتخذ منها مقراً لإمارته على بلدة رغبة، والتي اكتسبت تأييد الإمام محمد بن سعود فكانت حصناً من حصون الدعوة وقلعة من قلاعها، وكانت محورا هاما في الأحداث التي مرت على رغبة فيما بعد، نفهم ذلك من تتبعنا تفصيلات أحداث عام 1171 هـ. فحين عزل الامام محمد بن سعود مبارك بن عدوان عن إمارة حريملاء وعين بدلاً منه حمد بن ناصر بن عدوان ، سعى مبارك للاستيلاء على البلدة عنوة، وناصره في تمرده بعض أعداء الدعوة ، المناوئين لها، وعلى رأسهم قاضي البلدة مربد بن أحمد بن عمر التميمي, الذي كان “من ألد أعداء الدعوة” وحين باءت محاولتهم بالإخفاق هرب مبارك من البلدة وهرب معه مربد وآخرون وكان مسير مربد إلى رغبة “فأمسكه أميرها علي الجريسي وقتله” وما ذلك إلا لأنه (أي مربداً) تمادى كثيراً في تشويه الدعوة وتشويه سمعة القائمين عليها فكان قتله انتصاراً للدعوة وأهلها.
أما مبارك بن عدوان فإنه سار إلى بلد المجمعة عند حمد بن عثمان رئيسها وطلب منه النصرة ضد أهل حريملاء, واستطاع أن يجمع حوله عدداً من رجال القبائل فساروا معه بشوكتهم قاصدين حريملاء ونزلوا ماء الفْقَيْر قرب بلدة رغبة وبقوا عليه أياماً وحين علموا بوصول عبدالعزيز بن الإمام محمد بن سعود حريملاء ودخوله إليها خارت عزيمتهم، وعدلوا إلى بلدة رغبة ونزلوها وحاصروا علي الجريسي في قلعته هو وأصحابه, وصرموا نخيلهم وهو الجو المعروف, وقُتل راضي بن مهنا بن عبيكة. وكان أغلب العرينات أهل رغبة وجيرانهم في المنازل الأخرى من رغبة المسماة بالحزم، قد خذلوا الجريسي وجماعته وما أعانوهم بشيء، ومبارك والأحزاب الذين معه ما تعرضوا لنخيلهم، ثم إنهم ارتحلوا عنهم ورجعوا إلى أوطانهم، فسار عبدالعزيز، رحمه الله من حريملاء إلى رغبة, فلما نزلها هدم منازل أهل الحزم “وجزّ” نخيلهم، وأعطاها الجريسي وأهل حلته.
ويضيف: “منطقة نجد نعمت بالأمن الذي رفرف على ربوعها بعد انضواء بقية بلدانها تحت راية التوحيد ثم ساد النظام وتراحم الناس وفشت المحبة بينهم في ظل الأخوة الإسلامية, وقد استمرت إمارة الشيخ علي الجريسي كما ذكر كبار السن نحواً من اثنتين وأربعين سنة، حافظ خلالها على إقامة شعائر الدين كما حافظ على ولائه وولاء بلدته للإمام محمد بن سعود وأبنائه البررة من بعده”.
ونلحظ من استقراء التاريخ أن الأمن بقي مستتباً وشعائر الدين مقامة، وحمى التوحيد مصوناً في جميع أجزاء الدولة السعودية الأولى, حتى قدمت الجيوش التركية بقيادة إبراهيم باشا, فكانت الملاحم العظيمة التي انتهت بسقوط الدرعية, وانحسار الدولة السعودية الأولى، وكان ذلك سنة 1233هـ.
ولم يغادر إبراهيم باشا نجداً إلا بعد أن أمر بهدم أسوار بلدان نجد فهدمت وكثر القيل والقال والسعايات “الوشايات” عنده من أهل نجد في بعضهم بعضا.
ولم تكن رغبة بمنأى عن هذه الأحداث، ففي عام 1236هـ عادت القوات التركية ثانية إلى نجد بقيادة حسين بك الذي أثار الرعب في نجد وهدم مابقي من قلاعها وحصونها وفرق عساكره في النواحي والبلدان فجعل في القصيم عسكراً، وفي بلدان المحمل “ومنها رغبة” فنزلت العساكر البلدان واستقروا في قصورها وثغورها وضربوا على أهلها ألوفاً من الريالات، وصارت محن عظيمة وقطعوا أكثر نخل رغبة. ويذكر أن خالد بن علي الجريسي الذي تولى إمارة رغبة بعد والده اشتهر بالبسالة والشجاعة, ومما يدل على ذلك قولهم:
وقد كان هذا الأمير موالياً للإمام عبدالله بن سعود ومعاصراً له وللأحداث التي وقعت في عهده. وقد أصاب رغبة بعض تلك الأحداث حين قصد الأتراك البلدة وحين رأى أهلها أن لا طاقة لهم بمقاومة الأتراك، غادروها فعمل الأتراك على تخريبها وهدموا العقدة ونقضوا بنيانها ولم يبق منها اليوم سوى الأطلال.
وإذا كانت كتب التاريخ لم تذكر شيئاً عن ذلك صراحة فقد شغلهم عنها أحداث أجلّ وأعظم وأجدر بالاهتمام، فقد انصب جل اهتمام المؤرخين على أحداث الدرعية وغيرها من البلدان التي شهدت أحداثاً عظيمة ومروعة غطت على سواها من الأحداث، إلا أن ديوان العرب الأول “الشعر” لم يغفل عن ذلك الحدث “هدم العقدة” فكان مما حفظ من الشعر في ذلك قولهم:
وبعد أن استعاد آل سعود الحكم مرة ثانية، كان لرغبة دور في نصرة الدعوة والانضواء تحت رايتها ولا يُذكر أهل رغبة تصريحاً وإنما كانوا يذكرون ضمن غزو المحمل التي هي أحد بلدانه كما هو معلوم. فقد ذكر ابن بشر في أحداث سنة 1239هـ نزول تركي بن عبدالله في ثادق واستنفاره لأهل المحمل وأنهم نفروا معه. كما ذُكر في سنة 1253هـ أن الإمام فيصل بن تركي استلحق “غزاة” أهل سدير والمحمل فحشدوا عليه مع رؤسائهم وقضاتهم.
وباسترداد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه للرياض عام 1319هـ وتجديده للدور السعودي المناصر للدعوة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي سارعت رغبة لتحتل موقعاً بين ثنايا تاريخ الملك عبدالعزيز المجيد إذ كان عبدالله بن خنيزان وهو من أهالي رغبة أحد الرجال الثلاثة والستين الذين اقتحموا حصن المصمك مع الملك عبدالعزيز ليبدأ فجر جديد من الدعوة والجهاد أثمر أمناً ورخاءً ننعم في ظلاله الوارفة هذه الأيام. كما كان لكثيرين من أهل رغبة شرف المساهمة في عدد من معارك الملك عبد العزيز المختلفة لتوحيد البلاد.
ويزيد الدكتور خالد الجريسي: “ها هي ذي رغبة تنعم كغيرها من مدن وبلدان المملكة بالأمن والاطمئنان في ظل قيادة حكيمة دستورها القرآن الكريم والسنة المطهرة تسعى لنشر العلم والعدل والقضاء على الجهل والضلال وكان لرغبة نصيبٌ من ذلك فانتشرت فيها المدارس وحلقات تحفيظ القرآن الكريم وتولى بعض أهل رغبة منذ بداية مسيرة التوحيد القضاء ومنهم: الشيخ إبراهيم بن عبدالله المزيعل، الشيخ إبراهيم بن ناصر بن خنيزان، والشيخ عبدالله بن مساعد بن قطيان، فيما أنجبت رغبة كثيراً من الكوادر المتعلمة التي ساهمت في دفع عجلة التنمية بوطننا الحبيب في مجالاتها المختلفة كالعلوم الشرعية والتربوية وعلوم الطب والهندسة وغيرها مما لايتسع المقام لذكرها.

تعليقات